lundi 16 mars 2009

طريق الهداية

طريق الهداية
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) .
ثم أما بعد ..
فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة التي طال والله شوقنا إليها ، وزكى الله هذه الأنفس الكريمة التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله ، وشرح الله هذه الصدور العامرة، التي جمعنا بها الإيمان بالله .
طبتم وطاب ممشاكم – أيها الإخوة والأخوات - وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
أحبتي في الله .. طريق الهداية :
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الأهم في العناصر المحددة التالية :
أولاً : أقسام الهداية .
ثانيا : أسباب الهداية .
ثالثاً : علامات الهداية .
وأخيرا : عقبات في طريق الهداية .
فأعرني قلبك ، وسمعك أيها الحبيب اللبيب ، والله أسأل أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أولا : أقسام الهداية :
أيها الأحبة : إن أعظم وأشرف وأجل نعمة يمتن الله – جل وعلا -= بها على عباده نعمة الهداية نعمة الهداية للإيمان والتوحيد ، بل لقد افترض الله – جل وعلا – على عباده أن يتضرعوا إليه بطلب الهداية في كل ركعة من ركعات الصلاة سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة ، فما من ركعة وإلا تتضرع فيها إلى الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم بقولك :{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }[الفاتحة/6].
فما هي الهداية وما أقسام الهداية ؟
الهداية في اللغة : هي الدلالة أو الدلالة بالكسر والفتح للدال واللغتان صحيحتان، الهداية هي الدلالة والتعريف والإرشاد والبيان وهي تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : الهداية العامة :
وهي مأخوذة من قول ربي حين سأل فرعون موسى وهارون عن ربهما قال فرعون : {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى } [طه/49] فأجابه موسى بقوله : {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه/50] هذه هي الهداية العامة {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.
أي : ربنا الذي خلق كل شيء على صورته ، وشكله اللائق به ، الذي يؤهله ويعينه على أداء المنفعة والمصلحة والمهمة التي خلق من أجلها .
فالعين مثلا خلقها الله بهذه الصورة البديعة والشكل الجميل ، وهيأها للإبصار ، فخلقها في علبة عظيمة قوية حتى لا تتلف ، وأحاطها بالرموش لتدفع الرموش عن العين ضوء ، وأحاطها بأهداب لتمنع الأهداب العرق من أن يتساقط إلى داخل العين ، ثم أمدها بماء مالح لتحفظ العين من الأتربة والميكروبات .
والأذن مثلا خلقها الله – عز وجل – بهذا الشكل البديع الجميل في هذا التجويف العظمي الداخلي في الرأس ، ثم أحاطها من الخارج بهذا الصوان الخارجي الجميل ، وهيأها للسمع حتى في النوم ، وأمدها بماء مر حتى لا تتسرب الحشرات إليها وأنت نائم .
والفم مثلا ، خلقه الله بهذا الشكل البديع الذي يؤهله للطعام والكلام فالشفتان تنفرجان للطعام ، دون أمر منك لهما بالانفراج والقواطع تقطع والأنياب تمزق، والضروس تطحن، واللعاب يسهل ، واللسان يتحرك هنا وهنالك لتيسير المضغ وكذلك للكلام.
كل هذا خلق من ؟ كل هذا صنع من ؟ كل هذا هدى من ؟

لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته
الكون مشحونٌ بأسرار
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
قل للصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام
بل سائل البصير كان يحذر حُفرة
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه فسله
واسأله كيف تعيش يا ثعبان
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من ببين فرث
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشرا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
وإذ ترى الجبل الأشم مناطحا
لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته
لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك
إذا حاولت تفسيرا لها أعياك
يا مداوى الأمراض من أرداك
عجزت فنُونُ الطب من عافاك
من يا صحيحُ بالمنايا دهاك
بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاك
فهوى بها من ذا الذي أهواك
راعٍ ومرعى من ذا الذي يرعاك
من يا ثعبان بالسموم حشاك
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهدا وقل للشهد من حلاك
ودم من ذا الذي صفاك
فاسأله من يا نخل شق نواك
أنواره فاسأله من أسراك
فاسأل لهيب النار من أوراك
قمم السحاب فسله من أرساك
لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك

أإله مع الله ؟!!
قال ابن القيم : من تأمل بعض هداياته في خلقه لعلم أنه الإله الواحد الحق الذي يستحق أن يوحد ويستحق أن يعبد بلا منازع أو شريك { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] أي : ثم هداه إلى ما يصلحه ، ويؤهله للقيام بالوظيفة التي خلق من أجلها ووجد من أجلها ، هذه هي الهداية العامة لو تدبرت كل شيء في الكون لوصلت إليها .
بل لقد أضاف العلامة الألوسي في (( روح المعاني )) إضافة جديدة جميلة للآية فقال : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] قال ربنا الذي خلق كل شيء على صورته وشكله اللائق به وجعل هذا الشيء دليلاً على وجوده .

ففي كل شيء له آية
سل الواحة الخضراء والماء جاريا
ولو جُن هذا الليل وامتد سرمدا
تدل على أنه الواحد
سل الليل والإصباح والطير شاديا
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا

لا أريد أن أطيل النفس مع كل عنصر وإلا فورب الكعبة إن كل عنصر من عناصر اللقاء يحتاج إلى لقاء .
الهداية العامة :
ثانيا : من أقسام الهداية : هداية الدلالة والبيان والتعريف والإرشاد :
ومعناها : أن الله – جل وعلا – خلق الإنسان وأرشده ودله وهداه وعرفه طريق الخير والشر .
تدبر كل لفظة خلق الله الإنسان ودله وأرشده وبين له وعرفه طريقي الخير والشر.
قال تعالى : {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }[البلد/10] أي : الطريقين : طريق الخير وطريق الشر .
قال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }[الإنسان/3]
قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [ الشمس/7-10]
ومع ذلك من رحمة الله بنا أن الله لم يعذب خلقه بعد هذه الهداية أي : بعد هداية الدلالة، بل أرسل الله إلى الخلق الرسل والأنبياء ، وأنزل الله عليهم الكتب ، ليأخذ الرسل والأنبياء بيد البشر من ظلام الشرك والوثنية إلى أنوار التوحيد والإيمان برب البرية ، ليدل الرسل والأنبياء البشر على الحق تبارك وتعالى وقال – جل وتعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء/15] .
وقال سبحانه: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[ النساء/165] .
وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/61] ، قال تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/50] .
قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [ هود/84] .
وبالجملة : قال تعالى : {َإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }[فاطر/24] .
فالله – جل وعلا – لا يعذب عباده إلا بعد أن يقيم الحجة عليهم ببعثه الأنبياء والمرسلين، ومع ذلك من رحمة الله بخلقه أن أبقى في كل أمة بعد رسولها ورثة لهذا النبي ، وهذا الرسول ، إنهم ورثة الأنبياء ، إنهم الدعاة المصلحون ، إنهم المخلصون المنصفون ، الآمرون بالمعروف بمعروف ، والناهون عن المنكر بغير منكر ، إنهم الشموع التي تحترق ، لتضيء للأمة طريق ربها ونبيها ، إنهم العلماء الربانيون ، والدعاة الصادقون ، فهؤلاء أيضا بعد الرسل يدلون الخلق على الحق ، ويأخذون بأيدي البشر إلى طريق رب البشر ، والسير على طريق سيد البشر r .
قال رسول الله r كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب )) .. اللهم اجعلنا من حواري رسول الله r ((إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ))(1) .
إذا هداية الدلالة يؤديها العلماء بعد الرسل والأنبياء ، لأنهم ورثة الرسل والأنبياء قال تعالى لنبينا: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف/108].
قال ابن القيم : ولا يكون الرجل من أتباع النبي r حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي r على بصيرة .
هذه هي هداية الدلالة .
ثالثا : هداية التوفيق : وهذه لا يملكها مَلَكّ مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولو كان المصطفى r، لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، نعم ! لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، ما عليك فقط إلا أن تبحث عن هداية الدلالة ، عن الأسباب ، وأن تجاهد ، وأن تسأل ربك الهدى ليرزقك هداية التوفيق .
ما هي هداية التوفيق ؟
أن يوفقك الله – جل وعلا – لتوحيده والإيمان به والسير على صراطه المستقيم ، ليست بيدك ولا بيدي ، ليتعلم العلماء والدعاة الأدب مع الله فوظيفتي ، ووظيفتك الإنذار والبلاغ ، أما القلوب ، فإنها بيد علام الغيوب .
ما عليك إلا أن تبذر بذراً صحيحاً على القرآن والسنة ، وأن تدع النتائج بعد ذلك إلى الله ، فليس من شأننا أن نقاضي العباد وإنما هذا شأن الله – سبحانه وتعالى – الذي يحاسب الخلق على كل صغيرة وكبيرة .
ولو كانت هداية التوفيق بيد المصطفى r لهدى النبي r عمه أبا طالب الذي تفطر قلب النبي r من أجل هدايته ، لأن أبا طالب كان يشكل حائط صد منيع ، طالما تحطمت عليه سيوف ورماح أهل الشرك في مكة أحاط النبي r بكل ما يملك ، ومع ذلك، فلم يستطع النبي هدايته أبدا ، هو بذل له هداية الدلالة ، وهي المرادة في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[الشورى/52] .
أما هداية التوفيق قال الله فيها لنبيه :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}[ القصص/56] .
روى البخاري وغيره أن النبي r دخل على أبي طالب وهو على فراش الموت وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فجلس النبي r إلى جوار عمه وقال : (( يا عم قل : لا إله إلا الله ، يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة )) فقال أبو جهل لأبي طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! يعني : أتترك دين آبائك وأجدادك ، فقال أبو طالب – ولا حول ولا قوة إلا بالله – بأنه على دين عبد المطلب ، فخرج الرحمة المهداة والنعمة المسداة صاحب القلب الكبير خرج من عند عمه وهو يقول: (( لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك )) .. فنزل عليه قول الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة/113] إنا لله وإنا إليه راجعون .
لو كانت هداية التوفيق بيد المصطفي r لاستطاع أن يهدي عمه أبا طالب هذا يبين لنا أيها الأحبة أننا في غاية الفقر لله - جل وعلا – وفي أمس الحاجة إلى توفيق الله – جل وعلا – فوالله ما أتيت اليوم برغبتك وإنما بتوفيق الله لك ، والله ما جلست اليوم في هذا المكان من ساعات مبكرة إلا بعد توفيق الله لك .

والله لولا أنت ما اهتدينا
فأنزلن سكينة علينا
ولا صمنا ولا صلينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

قال الله – عز وجل : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[الأعراف/42] تدبر : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} اللهم انزع ما في صدورنا من غل {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [ الأعراف/43] اعتراف المؤمن بالفضل لله ، فالمؤمن لا يرى لنفسه أبدا فضلا ، لا يرى لنفسه في قول ولا في عمل فضلا ، فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل جلاله – فإن أطعت فمن وفقك للطاعة وإن ذكرت فمن أعانك على الذكر ؟ وإن شكرت فمن وفقك للشكر ؟ وإن أصبحت طالب علم فمن علمك ؟ وإن فهمت مراد الله فمن فهمك ؟ وإن وفقك الله لبر الوالدين فمن وفقك ؟ وإن حبب الله إليك البذل فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل وعلا – قال سبحانه وتعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات/17] .
رابعا : الهداية في الآخرة : الهداية العامة وهداية الدلالة والبيان ، وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، أقسام الهداية وآخر مراتب الهداية .
تدبر معي ! أيها الحبيب اللبيب فمن هدي في الدنيا إلى الصراط المستقيم هدي في الآخرة للسير على قَدْر هداه في الدنيا على الصراط المضروب على متن جهنم .
على قدر سيرك هنا يكون سيرك هنالك ، وعلى قدر وجود الشهوات والشبهات، التي تعيق سيرك على الصراط المستقيم في الدنيا ، ستكون قوة الخطاطيف والكلاليب، التي تعيق سيرك إلى جنات النعيم .
تدبر هذا الكلام النفيس ! كلما قويت الشهوات والشبهات التي تعوق سيرك على الصراط المستقيم ، قويت هنالك على الصراط الخطاطيف والكلاليب التي تعيق سيرك على الصراط، لتصل إلى جنات النعيم ، فإذا كانت الشهوات والشبهات ضعيفة ، كانت الخطاطيف والكلاليب هنالك ضعيفة وإذا كانت هنا قوية كانت هنالك قوية .
فمن الناس من يمشي على هذا الصراط في الدنيا بثبات ، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك، لا يلتفت إلى الوراء لنداء الشيطان ، والنفس الأمارة بالسوء والهوى وصحبة السوء، إنما هو عرف طريقه ، عرف ربه ، وسار على درب الحبيب r لا يلتفت إلى الوراء، بل إذا وقعت قدمه في بؤرة معصية ، وتأثرت ثيابه بشوك المعاصي ، سرعان ما يجذب ثيابه ليطهرها بدموع التوبة ، ليواصل سيره ومسراه إلى ربه وسيده ومولاه خلف حبيبه سيدنا رسول الله r عرف الدرب .
هذا يمر على الصراط المضروب على متن جهنم يوم القيامة كالبرق بمجرد أن يعبر، أو أن يضع قدمه اليمنى على الصراط، يرى نفسه كالبرق في جنات النعيم، ومنهم من يمر عليه كالطرف كالريح، كأجاويد الخيل والركاب، ومنهم من يمر عليه يجري ، ومنهم من يمر على الصراط يمشي، ومنهم من يمر على الصراط يحبو على يديه ورجليه، ومنهم من يمر فتسفعه النار مرة، وتخدشه النار مرة وينجيه الله، ومنهم من تخطفه الكلاليب إلى نار جهنم
والحديث رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري()وغيره ، فعلى قدر سيرك هنا على الصراط يكون سيرك هنالك على الصراط .
أهل الإيمان يعبرون الصراط إلى الجنة تدبر معي قول ربي :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{23} وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } أي في الدنيا ، وفي الآخرة { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }[ الحج /24،23] .
اللهم اجعلنا منهم وهدوا إلى الطيب من الأقوال في هذه الحياة ، لا يتكلم إلا خيرا، لا يأمر إلا بمعروف ، لا ينهي إلا عن منكر ، لسانه رطب بذكر الله ، لا يخرج العيب ، لا يعرف الغيبة ، لا يعرف النميمة ، لا يعرف الكذب ، لا يعرف شهادة الزور ، هذا يهديه ربه يوم القيامة إلى صراط الحميد ، وهدوا إلى صراط الحميد {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [ الواقعة / 10-14] .
قال ابن القيم : السابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات ، هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات ، وعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك .
قال الحبيب r - وتدبروا هذا الحديث الرقراق الجميل الذي رواه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار))() . أي إذا عبروا الصراط ونجاهم العزيز الغفار من النار وأرجو أن تتصوروا معي هذا المشهد الذي يخلع القلب قال تعالى:{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}[ مريم 72،71] اللهم اجعلنا من المتقين.
تدبر معي المشهد قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار ، آخر رجل يدخل الجنة يعبر على الصراط تسفعه النار مرة ويكبو مرة ، فإذا نجاه الله التفت إلى النار خلفه )) نجا عبر (( يلتفت للنار من خلفه تحت الصراط ويقول : تبارك الذي نجاني منك ، الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين من خلقه )) .
وهو آخر رجل يدخل الجنة ، فالأمر ليس يسيرا يقول النبي r (( إذا خلص المؤمنون من النار )) انطلقوا إلى الجنة ؟ لا ، انتظر لا ، ماذا بعد ؟ وهل هناك أمر بعد الصراط ؟ نعم بعد الحساب ؟ نعم بعد الميزان ؟ نعم ماذا بعد ؟
((يحبس المؤمنون بعد عبورهم للصراط على قنطرة أخرى بين الجنة والنار)) لماذا؟ ((للقصاص)). للقصاص ، هل تتصور أن ظلمك لأخيك سيضيع سدى ؟ لا ، هل تتصور أنك يوم أن اغتبت فلانا ، أو مشيت بالنميمة ، وأفسدت القلوب بين الناس أو ظلمت فلانا ، أو ضربت فلانا ، أو شتمت فلانا أو قذفت فلانة ، هل تظن أن هذا يضيع سدى؟ لا ، مع أنك من المؤمنين وعبرت الصراط ، تحبس مرة أخرى للقصاص .
اسمع ماذا قال سيد الناس : (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتاقصون مظالم كانت بينهم )) .. آه من الظلم! آه من الظلم ! ولو بكلمة ((يتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ونقوا انطلقوا إلى الجنة )) ، اسمع ماذا يقول رسول الله r قال (( فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى )) أي : أعرف وأدل (( لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[ الحج /24،23] ما تدبر كثيرا من هذه الكلمات النبوية .
أقول : ينطلق الآن بعد صلاة الجمعة بعد هذا الجمع الكريم بين يدي كل واحد منا سيذهب إلى بيته ومنزله ، دون أن يسأل أحداً ، ليدله على هذا المنزل كذلك في الآخرة بعد هذا القصاص والتطهير والتهذيب ، ينطلق كل مؤمن إلى منزله على قدر مكانته وعمله في الجنة يقول النبي r : ((هو أعرف بمنزله في الجنة من معرفته بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } .
قال – جل وعلا – في سورة محمد : {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }[محمد/6] فكل يعرف منزله وكل ينطلق إلى مكانته ، نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أيها الأحبة الكرام : هذه هي مراتب الهداية ، وأقسام الهداية ، هداية عامة ، وهداية الدلالة والإرشاد والتعريف والبيان وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، يهدي الله أهل الجنة إلى الجنة ، ويهدي الله أهل النار إلى النار ، فكما أن الجنة درجات ، فأن النار دركات ، اللهم نجنا من النار كل له منزلة ، كل له مكانة في النار ، فالجنة درجات ، والنار دركات قال – جل وعلا – {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[ الصافات/ 23،22] .
أيها الأحبة : هذا بإيجاز شديد جداً في أقسام الهداية .
فما هي أسباب الهداية على وجه السرعة ؟ هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.
أعظم أسباب الهداية : أن تعرف الله ، فمن عرف الله بأسماء جلاله وصفات كماله أحبه ، من عرف الله أحبه ، ومن عرف الله خافه ، والحب والخوف هما العبادة ،فالعبادة هي كمال الحب لله ، مع كمال الذل لله ، ومن عبد الله – عز وجل – وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم ، من عبد الله – عز وجل وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم .
ثانيا : بإيجاز الإيمان بالله – تبارك وتعالى : تدبر معي ! هذه الآية الجميلة قال سبحانه : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [ التغابن/11] الله أنت قرأتها مرارا ولكن أرجو أن تتدبرها عش معنى الآية : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } ولو هدى القلب لسجد بين يدي الرب سجدة لا يقوم منها حتى يستمتع بالنظر إلى وجه ربه في الجنة ، والله لو ذاق القلب حلاوة السجود ما قام من سجدته ، والله لو ذاق القلب حلاوة الإيمان ما فارق هذا الباب أبدا { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } وهدى القلب سبيل السعادة في الدنيا والآخرة{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء/89،88] اللهم اهد قلوبنا.
ثالثا : من أسباب الهداية الاعتصام بالله : ذكرت أنه لا حول ولا قوة لنا إلا به – جل جلاله – فما عليك إلا أن تبحث عن أسباب هداية الدلالة وأن تسأل ربك أن يلهمك هداية التوفيق ، وأن يحبب الإيمان إلى قلبك وأن يزينه فيه ، وأن يثبتك على الصراط المستقيم: {َمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[آل عمران/101] ما هو الصراط المستقيم ؟ وأنت تكرر اللفظة كثيرا . قال عليّ رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو القرآن . قال ابن عباس رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو الإسلام . قال ابن الحنفية رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو دين الله ، الذي لا يقبل غيره أبدا .. دين الله هو الصراط المستقيم .
وفي الحديث الصحيح (1) الذي رواه أحمد في مسنده وغيره من حديث النواس بن سمعا – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما)). تدبر هذا المثل النبوي البليغ: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران وفيهما أبواب مفتحة)). أي: في السورين أبواب مفتح’ ((وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ، ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ويقول )) إذا أراد الإنسان أن يدخل باباً من هذه الأبواب المفتحة التي أرخيت عليها الستور يقول له الداعي من فوق الصراط : (( ويحك ويحك لا تفتحه )) . أي لا تفتح هذا الباب (( فإنك إن تفتحه تلجه )) .. إن فتحت دخلت ، والمعنى قال الحبيب r : (( الصراط هو الإسلام )) .. هذا تفسير النبي r إذاً للصراط ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم)) ((واعظ الله في قلب كل مسلم)) .
فأنت إذا هممت بمعصية ، ترى واعظا في قلبك ، يقول لك : لا ، لا ، تفعل هذا، ابتعد، هذا حرام ، وإذا فعلت طاعة تسمع الواعظ في قلبك يزين لك الطاعة يحببها إليك ويحثك على المزيد ، وعلى الإكثار ، ولذا قال المختار r : (( البر حسن الخلق ، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ))()
ترمومتر دقيق فب قلب كل مسلم، واعظ الله في قلب كل مسلم، نسأل الله أن يحي قلوبنا وأيضا من أعظم أسباب الهداية بعد الإعتصام بالله والتمسك بدينه وصدق اللجأ إليه – تبارك وتعالى – المحافظة على الصلوات .
قال ابن مسعود – والحديث رواه مسلم : من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كالمتخلف الذي يصلي في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق ، معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.()
خامسا بإيجاز : الصحبة الصالحة : الصحبة الصالحة من أعظم أسباب الهداية أن تصحب رجلا يذكرك بالله ، وأن تبتعد عن رجل يحول بينك وبين معرفة الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً{28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} [ الفرقان / 27-29] لذا قال الحبيب r: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي )) ().
وقال r: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير))().
عقارب الساعة تطاردنا وأنا لا أريد أن أشق على إخواني خارج بيت الله – جل وعلا – ومازالت عناصر ونقاط الموضوع بين يدي كثيرة ، لكن أكتفي بهذا القدر ، والله أسأل أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا وأن يرزقنا الهدى والعفاف والغنى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
فيا أيها الأحبة الكرام : من أعظم أسباب الهداية أيضا المجاهدة :
قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت/69] والمجاهدة للنفس أربع مراتب :
المرتبة الأولى : مجاهدة النفس على تعلم الحق ، والهدى .
المرتبة الثانية : مجاهدة النفس على العمل بما تعلمت .
المرتبة الثالثة : مجاهدة النفس على الدعوة إلى الحق والهدى .
المرتبة الرابعة : مجاهدة النفس على الصبر على الأذى والبلاء .
فمن تعلم وعمل وعَلْم لابد أن يتعرض للأذى من المنافقين والظالمين . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} [ الفرقان /31] . وقال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت /3،2] .
ثالثا : بإيجاز شديد لأكمل الموضوع ولو في عجالة علامات الهداية :
وأول علامة من علامات الهداية : تحقيق الإيمان :
فمن آمن بالله ووحد الله فقد هداه الله – سبحانه – وهذه أعظم علامات هداية الله له . بإيجاز شديد من أعظم علامات الهداية أن تحافظ على الصلوات .
ثالثا: من أعظم علامات الهداية السمع والطاعة لله ورسوله: قال تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ الزمر / 18،17] .
وقال في شأن طاعة رسوله r :{إِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] فطاعة الله وطاعة رسول الله من أعظم علامات الهداية إن كنت ممن أطاع الله وأطاع رسوله r .
رابعا : من علامات الهداية الدعوة إلى الله – عز وجل : على قدر استطاعتك بأي وسيلة من الوسائل ، والأمر بالمعروف بمعروف ، والنهي عن المنكر بغير منكر .
كذلك من علامات الهداية : الصحبة الطيبة والبعد عن صحبة السوء من علامات الهداية المحافظة على الأمر والنهي .
من علامات الهداية : أن يكون سمتك وهديك ودلك موافقا لسمت وهدي ودل رسول الله r مع نية صادقة وعمل صالح ، وإلا فإن المظهر وحده لا يكفي مع سوء وفساد الطوية وبعد عن العمل الصالح لا يكفي هذا المظهر على الإطلاق .
لذا روى الإمام أحمد في مسنده وغيره بسند صحيح ، بشواهده أن النبي r قال: ((خير عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله))(1).
هناك مسلم إذا مشي في طريق ورآه الناس ذكروا الله ، تذكروا الله بسمته بهيبته ، ولاحظ أن الهيبة لست كبرا ، فقد يتصور بعض طلابنا ، أنه من أجل أن يُحَصْل الهيبة عند الناس يتصور أنه لابد من أن يتقعر ، ولابد من أن يعبث بجبينه ، ولابد من أن يتكلم بصوت أجش ، لا ، لا اسمع لأبن الجوزي – رحمه الله تعالى – إذ يقول : هيبة الناس لك لا تكون إلا على قدر هيبتك أنت من الله ، فمن الناس من يُرى فيذكر الله .
من علامات الهداية : حب الناس لك وثناء الناس عليك :
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: ((إذا أحب الله عبدا نادى جبريل يا جبريل إني أحب فلانا)) .. يا الله !! تصور أن يذكر اسمك ملك الملوك الله، يذكر اسمك لجبريل ، وجبريل يذكر اسمك في الملأ الأعلى ((يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم ينادي جبريل في أهل الأرض: يا أهل الأرض إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل الأرض أو فيوضع له القبول في الأرض))()
اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر أنه قال : يا رسول الله إن الرجل ليعمل العمل من الخير فيلقى الله له الثناء الحسن – أي : على ألسنة المسلمين – فقال النبي r : (( تلك عاجل بشرى المؤمن))((تلك عاجل بشرى المؤمن)) ().
فمن علامات هداية الله لك أن يحبك الناس لكن ليس كل الناس فلن يحب المؤمن إلا المؤمنون ، أما المنافق فهو يبغض المؤمن من كل قلبه ، لذا اعلم أخي :
أنه لا يبغض مؤمنا إلا منافق ، ولا يحب مؤمنا إلا مؤمن ، فالأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .
قال الخطابي : أرواح المؤمنين تحن إلى المؤمنين ، وأرواح المنافقين تحن إلى المنافقين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم/96] أي : محبة في قلوب عباده المؤمنين .
بقى أن أتحدث عن عقبات في طريق الهداية لكني أخشى أن أطيق عليكم .
فمن أخطر العقبات : الكفر والظلم والفسق { إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة/67] ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[المنافقون/6] ، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام/144 ] ، الإسراف والكذب {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر/28 ] ، الهوى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص/26] .
وأخطر هذه العقبات الشيطان: قال تعالى: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور/21]، فالشيطان له خطوات وهو لنا عدو: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا} [فاطر/6] ، وقال الله فيه: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج/4].

[الدعاء ]

lundi 16 février 2009

فليغيره بيده!

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم اركان الدين الاسلامي، بل جعله بعض العلماء الركن السادس في الإسلام، وهو سبب خيرية هذه الامة فلا خير فينا ان لم نقم بهذا الركن العظيم، وامر الله جل وعلا ان تكون الامة كلها أمرة بالمعروف ناهية عن المنكر كما قال تعالى {ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، بل أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل فرد في المجتمع ان يقوم بهذا الواجب «من رأى منكم منكرا» وهذا يلزم كل بالغ عاقل «فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان».
وهذه الشعيرة هذا الواجب يجوز ان يوجه الى جميع افراد المجتمع، حتى (الحاكم) يجوز شرعا ان توجه له النصيحة ويؤمر Aligné à droiteبالمعروف وينهى عن المنكر، بل وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد الشهداء بانه الذي يقوم إلى امام - أي حاكم - ظالم فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر فيقتله الحاكم!!.. هذا سيد الشهداء عند الله.
والامر بالمعروف والنهي عن المنكر تستطيع وسائل الإعلام تشويهه مهما صنعت، ولا يضر هذا الركن من أركان الإسلام خطأ يرتكبه احد الناس فتعظمه وسائل الاعلام ويكون مادة (لليبراليين) شهورا عديدة (يلوكونه) في مقالاتهم الممجوجة، فالليبراليون يتصادم منهجهم مع هذا الركن تصادما مباشرا، فاذا كنت ليبراليا فهذا يعني انك لا تؤمن بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر جملة وتفصيلا وان زعم بعضهم غير هذا، واضعف الايمان الإنكار بالقلب لو كانوا يفقهون!!
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني النهي عن الفساد في الارض، ووسائله تختلف باختلاف الازمان والاماكن، فبعض اعضاء مجلس الامة يمارسون هذا الركن وهذه العبادة في مساءلاتهم ورقابتهم واستجواباتهم، والاعلاميون يمارسونه في برامجهم ومقالاتهم، وجمعيات النفع العام والمبرات الخيرية تمارسه، والنقابات والروابط المهنية تمارسه، وكل فرد يستطيع ممارسته بوسائل متعددة.
الشرط المهم في انكار المنكر الا يؤدي انكاره الى منكر اكبر منه، وان يكون بأسلوب حسن ولائق، وان يظن صاحبه ان انكاره سيؤدي الى زوال المنكر او تخفيفه على الاقل، فلابد من الحكمة والموعظة الحسنة في الانكار، ولكل مقام مقال.
احدى الامور المهمة التي كتبت المقال من اجلها هو وسيلة لانكار المنكر يغفل عنها اكثر الناس، وهي استخدام قوانين البلد، ففي كل بلد تقريبا هناك قوانين تسعف الغيورين على المجتمع واهل الصلاح فيه.
أظن أن أكثر الدول الإسلامية فيها من القوانين الكثير والكثير مما نستطيع استخدامه للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن أتمنى ألا نكون ملبين وأن نبدأ بهذه الوسيلة ونحتسب الأجر عند الله جل وعلا فهذا عمل الأنبياء والرسل، على الأقل نعتبرها تجربة قد نظنها صعبة لكن بعد ممارستها بضع مرات سنرى فاعليتها وأثرها في المجتمع، قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}. * نبيل العوضي

dimanche 8 février 2009

قاطعوهم (قطعهم) الله

قاطعوهم (قطعهم) الله



يقول العلامة (عبدالرحمن السعدي) رحمه الله في حثه المسلمين لاستخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية ضد أعداء الاسلام، يقول: (ومن أعظم الجهاد وأنفعه السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها اسواق المسلمين، ولا يمكنون من جلبها إلى بلاد المسلمين، بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويستوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة. كذلك لا تصدر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصا ما فيه تقوية للاعداء «كالبترول» فإنه يتعين منع تصديره إليهم... وكيف يصدر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟! فإن تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد ونفعه عظيم).

هذا الكلام الصريح من الشيخ السعدي رحمه الله وكثير من العلماء في وجوب مقاطعة الدول التي تشارك في حرب الاسلام والمسلمين، يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فلا يصح أن تكون اسرائيل و(أمريكا) في حرب صريحة مع المسلمين، ثم بعد هذا نفتح لهما بلادنا واسواقنا، ونضع المليارات من استثماراتنا في بنوكهم، وتترك لأمريكا مخازن النفط في العراق والخليج تنهل منها كما شاءت، بل وترتبط اكثر العملات الخليجية بالدولار الأمريكي؟!

ان المواطن البسيط مطالب بالبحث عن البديل غير الامريكي في كل احتياجاته، وفعله هذا نوع من الجهاد والتضحية في سبيل الله، ونفعه عظيم على الفرد نفسه وعلى المجتمع الاسلامي بشكل عام، لكن الحكومات العربية والاسلامية مطالبة بخطوات اكبر في فك ارتباطها بالدولة المحاربة للاسلام والمسلمين، والبرلمان الامريكي يعلن تأييده المطلق لاسرائيل في حربها ضد الاطفال والأبرياء، وامريكا ترسل الذخائر والاسلحة الفتاكة ليستخدمها الصهاينة ضد العزل والابرياء، ثم بعد هذا نجد مئات المليارات من أموال المسلمين توضع في البنوك الامريكية لتدعم اقتصادها!!

لابد على الحكومات العربية والاسلامية من البحث عن بديل اخر غير العدو الامريكي، فنحن اليوم نمر في مرحلة فاصلة، فإما ان تستجيب حكوماتنا إلى صوت العقلاء وتضع هذه الحكومات استراتيجيات اخرى تتحرر فيها من عبوديتها لامريكا أو تدوس هذه الحكومات على صوت ارادة الشعوب وتبقى في دور الجلاد الذي تستخدمه امريكا ضد المسلمين، والحارس الأمين على ثروات الأمة لصالح امريكا؟!!

***

الجهل الواضح والبين في بعض الكتاب والمحللين السياسيين في القضية الفلسطينية منشؤه أمران: (الأول) هو عدم الالمام بتاريخ القضية، وربما يكون البعض عنده بعض المعلومات لكنها مشوهة ومغلوطة ولهذا تجده احيانا يلوم المقاومة الفلسطينية او يعطي الحق للصهاينة بالبقاء او يخرج الينا برأي شاذ أكثر.

والسبب (الثاني) هو غياب البعد الشرعي عند البعض عندما يتناول القضية الفلسطينية، فهو لا يؤمن ان المسجد الاقصى تشد اليه الرجال، وان الصلاة فيه ليست كصلاة في غيره، وان هذه الارض المباركة يجب الا تبقى الا في حيازة المؤمنين الموحدين، ولهذا تجد هؤلاء السذج يتكلمون عن هذه القضية وكأنها فلسطينية بحتة، ولا يبالي بالحكم الشرعي بوجوب تحرير هذه الارض من العدو المحتل.

قد يكون هناك اساتذة ومتخصصون في العلوم السياسية لكنهم جاهلون بالدين الاسلامي واحكام الشريعة ومقاصدها، وقد يكون هناك كتاب يعرفون صف الكلام وتزويره لكنهم فاقدون لكل الاخلاق ولادنى الاذواق، وكلاهما قد يصدق فيه وصف «الرويبضة» كفانا الله شرهم.

***

لماذا فرقة (دحلان) لها الامن والامان؟ ولقاءاتهم السرية والعلنية مع الصهاينة تتميز بالود والوئام و(القبل)؟ وارصدتهم تتضخم يوما بعد يوم؟ ولم نسمع يوما ان احدا من طرفهم اعتقل او قتل؟!

اما جماعة الشيخ (هنية) فأكثرهم اما مسجون في سجن الصهاينة، او سجن (السلطة) ويعذبون عذابا شديدا، والبقية الباقية يقاتلون في سبيل الله، وقتل الكثير من قاداتهم وسالت دماؤهم ودماء اهليهم؟!

لماذا اسرائيل وامريكا وعملاؤها يقفون في صف (السلطة) ويحاربون الشيخ (هنية)؟! أظن الاجابة واضحة، ومن كان لا يعرفها فليقرأ القرآن بتدبر ربما يشرح الله صدره وينير الله قلبه ?فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور?.

* نبيل العوضي

فتاوى العلماء في (المقاطعة الاقتصادية)

فتاوى العلماء في (المقاطعة الاقتصادية)


المقاطعة الاقتصادية احدى الوسائل التي استخدمها الناس عبر التاريخ ضد اعدائهم وخصومهم، كنوع من الضغط والاضعاف لهم، فالمشركون استخدموا هذه الوسيلة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حصار الشعب، والمنافقون دعوا لهذه الوسيلة في المدينة (لاتنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا)، واستخدمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ايضا مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه النبي ايضا مع اهل الطائف مدة من الزمن، واستخدمه الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه مع مشركي قريش فقطع عنهم كل البضائع والتجارة حتى يأذن النبي لهم، ولم ينقطع هذا الاسلوب الذي يعتبر من وسائل الحرب بين الخصوم على مر التاريخ، حتى في عصرنا هذا فإن الدول الكبرى مارسته ضد (ليبيا) و (سورية) و (إيران) و (حكومة طالبان) و (العراق) وغيرها من الدول غير الاسلامية ايضاً.

فأسلوب المقاطعة الاقتصادية ليس بالامر الجديد بل هو معلوم يستخدمه الناس وقت الحاجة اذا ظنوا تحقق مصلحة من ورائه، ولهذا أفتى الكثير من العلماء بمشروعيته واعتبروه نوعا من الجهاد في سبيل الله، وسأذكر غيضا من فيض وجزءاً يسيراً جدا من فتاوى علماء الامة الاسلامية الذين اجازوا أسلوب المقاطعة وشرعوه سواء للحكومات او الشعوب، اما الشيخ العلامة (عبدالرحمن السعدي) فله فتوى واضحة صريحة في حكم المقاطعة الاقتصادية، وذكر فيها ان (من انفع الجهاد واعظمه مقاطعة الاعداء في الصادرات والواردات..) ويقول الشيخ رحمه الله في هذه المقاطعة (ركن عظيم من اركان الجهاد، وله النفع الاكبر وهو جهاد سلمي وجهاد حربي).

وكذلك الشيخ (الألباني) رحمه الله في سلسلة (الهدى والنور) لما سئل عن حكم اللحم والذبائح في بلغاريا، قال الشيخ (لو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحا شرعيا حقيقة انا اقول لا يجوز لنا ان نستورده منهم بل (يجب) علينا أن نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك، فسبحان الله مات شعور الاخوة..).

وللشيخ (حمود بن عقلاء الشعيبي) فتوى صريحة وقوية في بيان مشروعية المقاطعة الاقتصادية، ذكر فيها الادلة من السنة، ومما جاء في الفتوى قوله:

(فإذا كانت الشعوب الاسلامية في الوقت الحاضر ليس لديها قوة في الجهاد المسلح ضدهم بسبب الخلاف القائم بين حكام المسلمين وتخاذلهم عن إعلان الجهاد وارتباط أكثرهم بالدول الكافرة فلا أقل من المقاطعة الاقتصادية ضدهم وضد شركاتهم وبضائعهم).

اما الشيخ (ابن عثيمين) رحمه الله تعالى واسكنه الجنة، فقد أجاب على موضوع المقاطعة اثناء قتال الصرب للمسلمين وجاء في جوابه (المسلمون لو قاطعوا كل امة من النصارى تساعد الذين يحاربون اخواننا لكان له اثر كبير ولعرف النصارى وغير النصارى ان للمسلمين قوة وانهم يد واحدة...).

وكذلك للشيخ (ابن جبرين) فتاوى معروفة في مشروع المقاطعة وهو احد الموقعين على بيان مكة الثاني ضمن عشرات العلماء الذي ركز في احد بنوده على (تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية على كافة المستويات، ضد العدو اليهودي وكل من تعاون معه او دعمه، واتخاذ كل التدابير الكفيلة بنشر هذه الثقافة بين كافة شرائح المجتمع المسلم، لعموم قول النبي «جاهدوا المشركين بأموالكم وانفسكم وألسنتكم»).

وللشيخ (صالح اللحيدان) فتوى مستقلة في مشروعية المقاطعة واعتبارها جزءا من الجهاد في سبيل الله واعتبر الشيخ شراء بضائع الدول الداعمة للعدو (نوع من إضاعة المال).

وللشيخ (عبدالعزيز الراجحي) فتوى في المقاطعة ذكر فيها انه ينبغي مقاطعة البضائع الامريكية والانجليزية.

لو اردت ان اذكر الفتاوى التي تحث على مقاطعة الدول التي تساند العدو الصهيوني، او التي تقوم مباشرة بحرب المسلمين كـ (أمريكا) فإنني سأحتاج الى عشرات المقالات، ولعلي ركزت على العلماء (السلفيين) دون غيرهم من علماء اهل السنة، لحاجة طلاب العلم عندنا لهذه الفتاوى، والا ففتاوى علماء الازهر، وعلماء الشام وعلماء السودان، وعلماء العراق، وباكستان، وغيرهم من الدول فتاواهم في هذا الباب كثيرة جدا.

وهؤلاء العلماء لا احد منهم يجهل ان التعامل مع الكفار غير الحربيين مباح من حيث الاصل، الا ما استثناه الدليل، لكنهم يعلمون ايضا اثر هذه المقاطعة في اضعاف العدو واجباره على التراجع عن مواقفه او الاصغاء لمطالب المقاطعين، ولهذا جعلوه نوعا من الجهاد، فرغبوا فيه وحثوا الناس عليه، فرحم الله علماءنا وغفر لهم، وحفظ من بقي منهم هدى للناس وشوكة في وجوه الاعداء

* نبيل العوضي

jeudi 29 janvier 2009

dimanche 25 janvier 2009

لا تحزن معاك الله يا أعظم شعب

لا تحزن معاك الله يا أعظم شعب

أردت أن أكتب شيئاً عن غزة، أي شيءٍ كان لسد فراغ الصرخات التي علت وجاوزت رحاب الفضاء، مجرد خربشاتٍ أو خطوطٍ عريضةٍ لمشروع مقالٍ أسطر من خلالها بضعة جملٍ مبعثرةٍ عن مآسي حاضرةٍ غائبةٍ، تلوح في الأفق لتتوارى، وتتوارى لتوح ثانيةً ! عن شيخٍ طاعنٍ في السن خنقه ذل الاحتلال، وشدة الجوع، ووهن العظام، وقسوة طوق حصار إخوانه العرب حراس المعابر الأوفياء !

أردت أن أكتب عن امرأةٍ ثكلى، فقدت بعلها أو طفلها أو أطفالها، لا فرق في العدد هنا أو الكمية ! طفل أو مجموعة أطفال، تزيد أم تنقص، مجرد أرقامٍ رياضيةٍ لا قيمةٍ لها، أجساد مادية فقدت كميةً من الدماء بفعل الثقوب التي زينتها بنادق العدو وشظايا قنابله الأمريكية، قبل أن تنساب منها الأرواح، أطفال من فلسطين عرب، هم في سلم المخلوقات المختلفة على سطح هذا الكوكب، أدنى درجة من الطوب والأعشاب وورق الأشجار وأكياس النفايات الملونة !

في أسوء الظروف أردت أن أكتب عن طفلٍ واحدٍ يتيمٍ، تطور خلال فترةٍ وجيزةٍ إلى جثةٍ هامدة لا تستبين ملامحها، رأسها من يدها من قدمها، أشلاء مختلطة برع سلاح الجلاد في تشكيلها وصقلها كأعظم منحوتةٍ حفرها سفاح !

أجساد بشرية خلت في الأصل من الحياة تماماً، بفعل المسغبة والحصار الأخوي العربي ! والنسيان التام في غمار همنا الشخصي من تجارةٍ وعقارٍ وأسهمٍ وحفلات ورحلات، أطفال لا تجرؤ أحلامهم عن مغادرة جماجمهم الصغيرة - المصابة بهشاشة العظام والنتوءات الغريبة لنقص الكالسيوم وشح الطعام وتلوث المياه - ناهيكم عن تجاوز أسوار صناديقهم الأسمنتية – ذات الهواء الفاسد - التي لا تعرف أصلاً شكل الطلاء ولا البلاط !

أردت أن .... ثم عجزت تماماً .

الصورة أبلغ من ألف مقال، وأقرف من قرف الدنيا برمته، لم نشبع بعد من الألوان الحمراء والوردية والزرقاء والسوداء المتفحمة ! لم تستفرغ معدتنا تماماً من رؤية الأذرع المبتورة، والسيقان الملتوية، والعظام الناتئة، والبطون المبقورة، والأحشاء المعفرة بالتراب !

تكفينا الصور، ويسعنا نحن – رواد المسرح - أثناء المشاهدة أن نضغط على زر mute في الريموت كنترول لكتم أصوات البكاء، ووأد العويل، ودفن الشهقات، ومداراة الذلة، وخزي العجز !

قال لي صديق إعلامي : حينما بدأت الحرب البرية اليهودية على غزة المسلمة قمت بسبر مئات القنوات الفضائية الأوربية والأمريكية لمعرفة وقع الحدث، فلم أجد لصدى – ليلة السكاكين الطويلة – ذكر ما خلا بضعة كلماتٍ مبعثرةٍ على الشريط الإخباري الأسفل، أو تغطيات خاصة بالقنوات الإخبارية العالمية، ولم يكن حال القنوات العربية بأفضل مما يعرض في نظيراتها العربية .

أيقنت بعدها – والكلام له - أن قيمتنا السوقية هي المحصلة النهائية للصفر، لا شيء بضعة مخلوقاتٍ بشريةٍ تشكل عبأ على الحياة ( وفق رؤيتهم )

أوحت إلي تجربته أن أقرأ لبعض كتابنا المتصهينيين، كان اليوم يومهم، حانت ساعة تصفية الحسابات، النقد لاذع لحماس وللحركات الإسلامية برمتها، والصمت مطبق عن تلك الدماء التي سالت بسلاح النازيين الجدد ! خط رجعةٍ وقربان ولاءٍ للأسياد لا مثيل له .

كاتب آخر تأثر بالأنظمة الشمولية، فشمت وشتم فتحاً وحماس وعرب إسرائيل والضفة وسخر من أعداد الضحايا ! ودعا إسرائيل إلى تأديب حماسٍ وطحنها، كي يعتبر كل حرٍ فكر يوماً في الانعتاق من ربقة العمالة والتبعية .

تمتد خارطة كتابنا المتصهينيين على رقعة العالم العربي، غير إنها تمركزت هذه الأيام على ضفاف الخليج، وكان للأرز - والوجبات الأمريكية السريعة - دور كبير في جلسات عصفهم الذهني للجلب على الأمة بخيلهم ورجلهم وخزيهم !

ولم تسلم بعض لحى حزب الليكود العربي من خوض غمار التجربة، وتجريم العدو على استحياء شديدٍ، يفوق حياء المومس في وكرها ! فأحدهم كتب عن دور الجمعيات الإخوانية الحزبية الخربوطية في السخرية بحملة ولي الأمر الأخيرة لمساندة الشعب الفلسطيني، وأن جماعة الإخوان المسلمين دعت جماعة الصابئة، إلى التبرع لنقابة الأطباء والسمكرية والبلطجية وعبدة الشيطان في كوستاريكا، بدلاً من التبرع لسلطة زيكو العميلة في موزنبيق !

حتى الساعة عجزت تماماً عن حل هذا اللغز الغريب، كيف حصل صاحبنا على شهادة الدكتوراه، ولا وفي فقه الزبادي ؟! لا يمكن له بحالٍ أن يبتاعها، لأن سماسرة الشهادات المزورة لا يبيعونها عادةً على الجراثيم والأوساخ !

مساء هذا اليوم وعقب مكالمةٍ هاتفيةٍ من أحد أساتذتي، تشاطرنا من خلالها الهم، ودعونا الله تعالى أن لا يحاسبنا على صمتنا وخذلاننا لإخواننا، قبل أن نختمها بالحديث عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض ودورهم في هذه الأزمة، قمت بعدها إلى صلاة العشاء وفي عقلي يتردد قول الحق تبارك وتعالى من آخر سورة التوبة ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) لا أدري ما الذي اعتراني، لكنني شعرت بعدها بالراحة النفسية، وأن هذا الظلام الكئيب مصيره إلى زوالٍ تامٍ بحولٍ من الله .

إلى الذين راهنوا على المجتمعات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة المؤتمرة بأوامر الفيتو الأمريكي وتأثيرات عصابة الإيباك، إلى الذين راهنوا على المنافقين والذين في قلوبهم مرض، أقول لنفسي ولهم : راهنوا على ما تبقى من حسن ظنكم بالله، ويقينكم بعدالة قضيتكم وصدق إيمانكم بربكم وزفرات دعاءكم، راهنوا على شجاعة أولئك الشرفاء في جحيم غزة، وإن لم يكن لديكم من رهانٍ تضعونه، فلا أقل من استلهام ما فعله أنس بن النضر رضي الله تعالى عنه يوم أحدٍ، حينما جاء إلى جماعةٍ فيهم عمر وطلحة بن عبيد الله وهم جالسون قد خُيّم عليهم الحزن واليأس القاتل، فقال لهم : ما بكم ؟

قالوا : قُتل رسول الله .

قال : فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذهب كالصاعقة فاستقبل القوم فقاتل حتى قُتل .

دعوا عنكم إرجاف المرجفين، وتخذيل المنافقين والمتصهينيين، ولوذوا بالله تعالى قبل كل شيءٍ، دعاءً وتضرعاً وقربةً، ولنتذكر جميعاً أنه مهما طال أمد الظلم والقهر، فلابد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولابد للميلاد من مخاض، ولابد للمخاض من آلام، كما يقول سيد قطب يرحمه الله

* حسن مفتي

ملامح النصر في معركة غزة

ملامح النصر في معركة غزة



التفاؤل في غمرة الأزمات منهج نبوي حيث بشر سراقة بسواري كسرى وهو صلى الله عليه وسلم مطارد من مكة وبشر الصحابة بكنوز كسرى وقيصر أثناء حفر خندق غزوة الأحزاب وتفاؤلنا بمجريات الأحداث في غزة لا يعتمد فقط على النصوص الشرعية المبشرة بالنصر ولكن ومن باب ليطمئن قلبي تجد له الكثير من الشواهد الواقعية في الأحداث.

وقبل عرض ملامح النصر نحتاج لبيان ماهية النصر وحقيقته ومستوياته فهناك نصر قريب وآخر بعيد وبينهما درجات ومستويات وقد يختصر مفهوم النصر بنوعين خاص وعام فالخاص والمستوى القريب للنصر هو النصر في معركة والنوع العام للنصر هو نتائج معركة ما وآثارها فقد يهزم جيش في معركة لكنه ينتصر من حيث عدم تحقيق العدو للهدف من المعركة .

# وإن أعظم النصر هو فوز المبادئ والقيم ولذا قال الله عن جنة المؤمنين بعد عرض قصة أصحاب الأخدود وما حصل لهم من الإبادة الجماعية حرقا بسبب ثباتهم على دينهم ومبادئهم (ذلك الفوز الكبير) ومن قبلهم الغلام الذي أرشد الملك لكيفية قتله أمام الناس ليدخلوا بعد ذلك في دين الغلام فتنتصر مبادئه على حساب حياته.

ولذا لا تجد من يلوم الجزائريين على التضحية بمليون شخص منهم للتحرر من الاستعمار ولا تجد من يلوم الشعب الليبي على التضحية بنصف الشعب (700ألف) كذلك, فكيف يصح بعد ذلك لوم الفلسطينيين على التضحية ب900 شهيد بل إن الشهادة في حد ذاتها مكسب عظيم كيف لا وهي الدرجة الثالثة في الجنة بعد الأنبياء والصديقين ؟

قال تعالى (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون , فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون)(

الشهداء ، أرواحهم في حواصل طير خضر، تعلق في شجر الجنة، ثم تأوي إلى تلك القناديل المعلقة في العرش، فيطلع عليهم ربك اطلاعة، ويقول : تشتهون شيئا أزيدكم، قالوا : وأي شيء نريده يا ربنا وقد رضيت عنا وأرضيتنا، فيعود إليهم مرة أخرى ويسألهم، فيقولون في المرة الثالثة : نعم يا رب، نريد أن تعيدنا إلى الدنيا لنقتل فيك مرة أخرى.

وقال تعالى (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)

وقال تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ (

وقال تعالى (الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

# إن ثبات أهل غزة في محرقة الأخدود الثانية لشيء عجب ! فقط تأمل كيف يتحدث عامتهم للقنوات وقد قتل لهم قبل ساعات قليلة عدة قتلى فلا تجدهم إلا في الأغلب صابرون لدرجة عدم البكاء وإن بكوا فبلا جزع وإذا كان هذا حال العوام فكيف بحال المجاهدين ؟ وهذا الثبات نصر معنوي وسبيل لتحقيق النصر الحربي

وفي صبرهم وثباتهم وحبهم للشهادة قدوة عظيمة للأمة لاسيما مع النقل المباشر وإحياء لقيم طالما سعى الأعداء لإخمادها فحتى لو أصبح مصير أهل غزة كمصير أهل الأخدود فيكفيهم نصرا أن أحيوا أمتهم بدمائهم وهذا الخطر العظيم على الأعداء هو ما يدفعهم لسرعة إيقاف المعارك دوليا لا رحمة بأهل غزة

# ومن ملامح النصر أن تحشد دولة جيشها الذي يعد الخامس في القوة على مستوى العالم وبطيرانه الرابع على مستوى العالم ودباباته الأحصن وسفنه وغواصاته وعشرات الآلاف من جنوده بالإضافة لقواته الخاصة المدربة تدريبا عاليا فتحشد كل هذا أمام منظمة محاصرة في رقعة صغير لا تساوي نصف مدينة عربية ولا تملك 1% من سلاح عدوها فلا طائرات ولا دبابات ولا سفن ولا مدافع.

قال تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}.

وقال تعالى( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ )

وما أشبه حال أهل غزة في ضعفهم أمام عدوهم بحال أهل بدر حين وصفهم الله بقوله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) ثم يأتي من يلومهم على الجهاد وهم أذلة ضعاف وكأنه يلوم أهل بدر أيضا.

وكيف سيفعل الصهاينة لو كانت حماس دولة تملك الطائرات والدبابات ؟

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)

ومنذ احتلال فلسطين قبل ستين عاما فهذه أول معركة حقيقية تجري على أرض فلسطين وستتلوها بأذن الله معارك تحرير كل فلسطين.

لقد اكتسح اليهود عام 67 في أربعة أيام فقط جيوش ثلاث دول عربية واحتلوا مساحات شاسعة من أراضي خمس دول عربية والآن يقفون منذ أسبوعين عاجزين أمام منظمة جهادية محاصرة عديدها بضعة الآف وعدتها رشاشات وقذائف صغيرة وألغام فيقف اليهود مترددين خائفين من الدخول حتى للمناطق المكشوفة إلا بعد عشرة أيام من القصف الجوي الهائل (ضٌرِبتْ عليهم الذلة والمسكنة) ،(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) ،(لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر)،(اذهب وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ولا قيمة للسلاح بيد جبان يحرص على حياته ويستمريء الذل والهوان كي يحافظ عليها

# ومن ملامح النصر أن بني صهيون قد أعلنوها حربا على الله عز وجل بتدمير بيوته على رؤوس أولياءه فهدموا حتى الآن 15 مسجدا وقتلوا المصلين حتى من الأطفال ولا تستغرب ذلك منهم ألم يقتلوا نبي الله يحي بن زكريا من قبل وغيره من الأنبياء ؟ ومن قتل نبيا فلن يتورع عن قتل مسلم صائم لعاشوراء يصومه فرحا بنجاة أجداد بني إسرائيل مع موسى من ظلم فرعون.

وقد كتب أحد الصهاينة مستغربا ضعف ردة فعل المسلمين على هذه الجرائم وقد قال عز وجل : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) فنحن نترقب خزيهم في الدنيا.

وقبل ذلك حاربوا الله بانتهاك حرمة يوم السبت التي نهوا عنها وعوقبوا على انتهاكها فكان بداية القصف يوم السبت غير عابئين بجرمهم: قال تعالى : وقلنا لهم لا تعدو في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) لكنهم تعدو ونقضوا الميثاق فكان العقاب: :) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) وعقاب ثان : (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) وترقبوهم عند الهزيمة وهم ينسبونها لتعديهم على حرمة يوم السبت.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال :-من عادا لي وليا فقد آذنته بالحرب) فإنما حقيقة المعركة بين الله عز وجل وبين بني صهيون.

# ومن ملامح النصر ورغم حجم القصف الجوي الهائل الذي وصل حتى الآن إلى 1430 عملية قصف إلا أنهم عجزوا في الضربة المفاجئة الهائلة الأولى ورغم اشترك 60 طائرة في تنفيذها عجزوا عن قتل أي قائد من قادة حماس المدنيين فضلا عن العسكريين ولم يستطيعوا خلال أسبوعين إلا أن يقتلوا قائدا ميدانيا واحدا فكان من عجزهم وعظيم حنقهم أن قصفوا منزل الشيخ نزار ريان ليقتلوه مع 13 طفلا وامرأة ولم يقصفوه في اليوم الأول ولا الثاني بل بعد أكثر من أسبوع مع علمهم بعدم اختفاءه لكن لما عجزوا عن غيره من القادة العسكريين والسياسين لجئوا إلى حيلة العاجز وقد طالب المتحدث العسكري الصهيوني قادة حماس بالظهور إن كانوا شجعانا متهما إياهم بالجبن !!

# ومن ملامح النصر استيعاب حماس للضربة الأولى و(الصبر عند الصدمة الأولى) رغم أنها كانت مفاجئة وعنيفة واستهدفت الشرطة المدنية ليختل الأمن بمساعدة المنافقين والعملاء لتنهار سيطرة حماس ويستولي العملاء على غزة لكن كانت مفاجأة حماس لهم بسيطرتها التامة ولبس جنود الشرطة لملابس مدنية مع استمرار العمل.

(كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين)

# ومن ملامح النصر أن هذه الحرب قد جاءت بعد حصار مرير امتد سنين وتجويع كبير وتمهيد إعلامي بتشويه حماس وقبله سجن وقتل مابين السلطة واليهود فهذا محمد ضيف قائد كتائب القسام تسجنه السلطة ثم تقصفه طائرة إف 16 وهو في سجنه بقصد قتله لكن الله كتب نجاته بل وكانت هذه الضربة سبب في فك أسره ليعود فيقود الكتائب ويطورها ثم هاهو يقود المعركة فسبحان مقدر الأقدار ومصرف الأحوال

# ومن ملامح النصر عدم إعلان العدو عن أهداف المعركة بشكل واضح وحرصهم على التعميم حين الحديث عن الأهداف وذلك منذ بدء المعركة وهذا دليل على مدى خشيتهم من الفشل في تحقيق أهدافهم إذا حددوها بوضوح لكن يلاحظ أنهم قد وضعوا سقفا عاليا حالما بالقضاء على سلطة حماس ووضعوا حدا أدنى بمنع إطلاق الصواريخ كما فعلوا مع حزب الله قبل سنتين ونجحوا فهم يعيدون تطبيق سيناريوا حرب لبنان الأخيرة ورغم وجودهم المكثف جويا ودخول دباباتهم لمناطق غزة المكشوفة إلا أنهم فوجئوا باستمرار إطلاق الصواريخ بمعدل كبير يوميا يتجاوز 40 صاروخ كما فوجئوا بزيادة مداه ليضاعف عدد اليهود الواقعين تحت مداه إلى أربعة أضعاف ماقبل الحرب (ليحاصر مليون صهيوني مقابل حصارهم لمليون فلسطيني بغزة) وليعطل الحركة الاقتصادية في ذلك المدى وليقصف قواعد عسكرية لم تقصف من قبل مطلقا بل ونجد كل يوم هدف جديد يقصف لأول مرة وليقترب في مداه من تل أبيب ومفاعل ديمونا فلم يبق بينه وبينهما سوى 20 كم فقط وآخر منجزات هذه الصواريخ ضرب قاعدة الصواريخ المضادة للصواريخ !! (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت).

وبناء عليه خفض قادة العدو سقف مطالبهم وأهدافهم إلى منع تهريب الأسلحة من مصر.

( وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً(

ومن الغريب أنهم لم يضعوا من بين أهدافهم تحرير أسيرهم شاليط رغم قواتهم وموسادهم الذي يفاخرون بقدراته العالم وكأني بهم يتوقعون أن يؤسر المزيد منهم فسكتوا عن الحديث في شأن شاليط.

كما أن توقيت المعركة وأهدافها قد قدمت فيه المصالح الشخصية لعصابة الثلاثة ما بين انتخابية لباراك وليفني وتلميع صورة لأولمرت وعندما يكون الهم في المعارك شخصيا فبشرهم بالفشل

# ومن ملامح النصر استهداف الصهاينة للشرطة والمباني الحكومية والمؤسسات ثم التركيز على المدنيين والأطفال ثم المدارس ورياض الأطفال ثم المسعفين والأطباء والمساجد ثم الصليب الأحمر الدولي ومدنيي مدارس الأمم المتحدة وأخيرا الصحفيين واستخدام أسلحة محرمة دوليا رغم ما يجلبه كل ذلك عليهم من عداوات إسلامية وعالمية إلا أن حنقهم وعجزهم عن ضرب قادة حماس جعلهم يصبون جام حقدهم على هؤلاء الأبرياء لعلهم يوهنون من عزم حماس حماية للمدنيين حتى كتب أحدهم أن مانفعله يلغي كل جهودنا في إلغاء العداوة لليهود من مناهج العرب الدراسية

# ومن ملامح النصر حدوث الخلافات بين قادة هذا العدوان وهم الثلاثي أولمرت وباراك وليفني كما كتبت عن ذلك الصحافة الصهيونية والعجب أن وزير الدفاع يرفض مطالبة أولمرت وليفني بتنفيذ المرحلة الثالثة ودخول مدينة غزة خوفا مما أعدته المقاومة لجنوده (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) ومعركة يقودها ثلاثة حرية بالفشل والبوار.

# ومن ملامح النصر ما تبين خلال أسبوعين من المعارك من قدرات وأسلحة المقاومة من صواريخ بعيدة المدى إلى قذائف 29 التي لا توجد سوى في دولتين عربيتين وأنفاق واضطرار العدو لاستخدام ال إف 16 بدلا من المروحيات خشية من إسقاطها بالإضافة إلى براعة استراتيجية استخدام الصواريخ بمعدل ثابت يوميا وبتوسيع المدى تدريجيا وجر العدو لحرب استنزاف طويلة واختراق إذاعة الجيش الصهيوني ولاسلكيه وغير ذلك من الملامح العسكرية.

وعندما نزل قول الله تعالى: وأعدو لهم ما استطعتم من قوة) دلنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تلك القوة بقوله: ألا إن القوة الرمي) وصواريخ القسام خير شاهد واقعي.

ومع بساطة تلك الصواريخ إلا أنك تتعجب من كثرة إصابتها لليهود ومنازلهم لتوقن بقوله عز وجل : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ثم مع قلة أثرها من حيث عدد القتلى تجد لها أثرا عظيما على مستوى الرعب لتعلم أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد منحها الله نصيبا من قوله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب مسيرة شهر)

وقد بلغ الفزع منها حتى أشد يهود تطرفا وهو رئيس حزب شاس الذي فر مذعورا منحنيا مختبئا أمام الكاميرات عندما دوت صافرات الأنذار بل وحتى أولمرت والذي كان في زيارة إلى مدينة بئر سبع عندما دوت صافرات الإنذار سارع بالفرار إلى أحد الملاجيء.

# ومن ملامح النصر الانتصار في المعركة الإعلامية لدرجة جعلت المتحدث الإعلامي باسم الجيش الصهيوني يتحدث بعصبية زائدة وبتناقض كثير وقد طالب أحد الصهاينة بطرد الجزيرة متهما إياها بأنها قناة جهادية !!

وفعلا فإن قناة الجزيرة قد خاضت نصف المعركة بجهادها الإعلامي الذي أثر على الملايين من المسلمين

وقارن ردة الفعل على هذه المذبحة بردة الفعل على مجزرة صبرا وشاتيلا التي بلغ قتلاها 1700 ولم يعلم بها العالم إلا بعد انقضائها.

أما قناة الأقصى فقد شنت حربا إعلامية حتى باللغة العبرية ونجحت في عرض أبشع جرائم المجزرة ليراها العالم ونجحت في الاستمرار في البث رغم قصف مقرها.

# ومن ملامح النصر إعادة القضية إلى بعدها الإسلامي بعدما ضاعت بين القومية والوطنية فهذه معركة جهادية تخوضها منظمة إسلامية يؤيدها مئات الملايين من المسلمين عبر العالم بعدما كاد حكام العرب أن يبيعوها مقابل 20% من أرض فلسطين.

# ومن ملامح النصر توحيد الأمة وتضامنها خلف أهل غزة بدرجة لم تعهد من قبل حتى أصبحت ترى مليون متظاهر في المغرب ومليون ثان في تركيا رغم 80 عاما من التغريب ومئات الآلاف في اليمن وغيرها وهذا يشكل جرس إنذار للأعداء بأن أمتنا بدأت تصحو من رقدتها وبدأت تصبوا للجهاد وهو ماقد يعجل بمحاولة إنهاء الحرب من قبل الغرب.

# ومن ملامح النصر المسارعة الدولية لإنقاذ بني صهيون من مأزقهم بعدما لاحت نذر الهزيمة فلقد كشفت مصادر إعلامية أن دول الغرب قد منحت الصهاينة أسبوعين لتحقيق أهدافهم وبعدها سيضطرون للتدخل لإيقاف المجزرة وهو ما حصل لكن بعد فشل الصهاينة في تحقيق أهدافهم وهنا تنكشف العقلية الصهيونية التي جلاها الله لنا في قصة البقرة عندما أمرهم بذبح أي بقرة فطالبوا بتحديد سنها فحددها بأنها لا فارض ولا بكر فطلبوا تحديد اللون فحدده بالأصفر فطلبوا المزيد من التحديد بحجة أن البقر تشابه عليهم فحددها بأنها (لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) فلم يجدوا هذه المواصفات إلا في واحدة فاضطروا لشرائها بثمن كبير والآن يكررون نفس الخطأ حيث لم يكفهم هذا التدخل الإنقاذي بل رفضوه مطالبين بالمزيد من الإنجاز لهم على يد مجلس الأمن ضد حماس

وقارن بين سرعة تدخل الرئيس الفرنسي لإنقاذ جورجيا من روسيا رغم أن جورجيا هي المعتدية قارنه ببطء تدخله في غزة لتعلم أي مكيال يكيل لنا به الغرب الصليبي.

وانظر كيف يطالب الغرب بمحاكمة البشير في محكمة العدل الدولية بتهمة جرائم حرب في دار فور مع عدم ظهور أدلة واضحة على اتهامه وبالمقابل يمنح جائزة نوبل للسلام لرئيس الصهاينة بيريز جزار قانا وغزة.

وبوش يعدم صدام على قتله 148 عراقي حاولوا اغتياله ويرفض مجرد إدانة ذبح 900 غزي بل يبرره بأنه دفاعي.

ثم يصدر بيان نعي لكلبه أما الغزيون فلا يستحقون حتى مجرد كلام فارغ.

إن هذا السقوط الأخلاقي الكبير للغرب لهو خطوة هامة في طريق عودة كثير من المخدوعين بقيم الغرب الزائفة لأمتهم والتماس طريق العزة الصحيح.

وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا، وكراهيتكم الموت". [أحمد/صحيح الجامع1359].

ومن ملامح النصر عودة الأمة لعقيدة الولاء والبراء وراقب هذا الولاء الكبير غير المسبوق من عموم المسلمين للمؤمنين في غزة بمشاعرهم واهتمامهم ودعواتهم وأموالهم وراقب صور البراء من الكافرين من يهود وصليبيين : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) لينكشف بذلك زيف السلام المستند على منح 80% من فلسطين ليهود مقابل 20 للفلسطينيين مع التنازل عن حق العودة.

وقد حذر وزير القضاء الصهيوني السابق من تحويل مئات الملايين من مشاهدي المجازر إلى متطرفين مناصرين لحماس.

# ومن ملامح النصر فشل المنافقين العرب والفلسطينيين في استثمار الحرب لإسقاط حماس شعبيا بتحميلها مسؤولية الحرب لعدم تجديدها للتهدئة وهم يعلمون أن الصهاينة قتلوا عشرات الفلسطينيين في تلك التهدئة ومنعوا عنهم الغذاء والدواء والكهرباء ليموتوا ببطء وهم جوعى ومرضى ولسان حالهم يقول موتوا ببطء ذليل خير من أن تموتوا بقصف سريع مع العزة.

وفشل المنافقون في إسقاط سلطة حماس بغزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية وفوجئوا بحجم الرد الفاضح لردتهم المزلزل لعروشهم المحاصر لسفاراتهم كما تحاصر سفارات اليهود فسارعوا بعد يومين فقط من بدء العدوان بالتراجع عن تصريحاتهم الشامتة بحماس ( ولتعرفنهم في لحن القول ) وتبرير مواقفهم التي كشفت حقيقة نفاقهم والدعوة للمصالحة مع حماس وفتح معبر رفح جزئيا( عجبا لمن يعلم أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ثم لا يتورع عن حبس مليون ونصف مسلم) وقد كان لأحبائهم من الصهاينة دور كبير في كشف مواقفهم وكلامهم الكاشفة لنفاقهم وذلك عبر الصحافة الصهيونية وأنهم طالبوهم بضرب حماس وتأديبها فهو عدوان ثلاثي صهيوني فلسطيني عربي وما تصريحاتهم ورفضهم لفتح معبر رفح ورفضهم حتى لعقد قمة شجب واستنكار إلا دلائل على مستوى نفاقهم وإجرامهم وموالاتهم لأشد الناس عداوة للمؤمنين على المؤمنين .

وليست هذه بأول جرائمهم فقد سبق أن اجتمعت 33 دولة عربية وغربية مع إسرائيل وأمريكا عام 96 م في شرم الشيخ للتآمر على حماس ففشلوا ثم حاولوا احتوائها بالانتخابات واللعبة السياسية لتترك سبيل الجهاد فغلبتهم فبدأوا بتنفيذ انقلاب دايتون دحلان المسلح فدحرتهم فكان الحصار ففشل فكانت هذه الحرب الفاشلة.

ومن العجب أن هؤلاء المنافقين من العرب والفلسطينيين قد أدوا نفس دور بني قريضة حين حرضوا الأحزاب على غزو المدينة فكان حكم الله في بني قريضة أن يقتل جميع رجالهم فقتل الرسول منهم 700 رجل جزاء وفاقا على خيانتهم وغدرهم.

وتأمل مقالاتهم ومواقفهم لتجدها قد تكررت من قبل كما بين الله ذلك في سورة محمد:

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (26)

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (27)

فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (28)

ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (29)

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (30)

وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (31)

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (32) )

وقد يطالب البعض بترك الخلاف مع المنافقين وعدم فضحهم حتى انتهاء المعركة متناسيا أنهم طابور خامس يحارب مع العدو, وتدبر آيات النفاق في القران تجدها قد نزلت في معارك كبرى لتفضحهم وتكف شرهم عن المجاهدين.

لقد شكلت حماس برفضها لخطة الحكومات العربية في التنازل عن 80% من فلسطين لليهود عائقا أمام الحكومات العربية لابد من إزالته وقد قال بيريز بأن كل شيء جاهز بالنسبة للسلام بينهم وبين حلفائهم، والعائق الوحيد هي حماس فكان هذا التوافق مع اليهود على هذه المجزرة لإعادة عباس في الحكم وإزالة منظمة تسعى لتحرير كل فلسطين: ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) ومن ثم إقامة دويلة فلسطينية على غزة وثلاث كانتونات مقطعة في الضفة

كما أن نجاح نموذج حماس في الحكم يشكل خطرا على كثير من الحكومات العربية التي تتطلع شعوبها لحكم الإسلام.

# ومن ملامح النصر تحول المعركة من معركة عسكرية إلى سياسية عبر مجلس الأمن بعد الفشل العسكري للصهاينة لأنهم قد استنفدوا وسائل إرهاب أهل غزة ولم تجد نفعا ولم يبق إلا انتحار الصهاينة بدخول غزة أو الانسحاب عبر مجلس الأمن والمبادرة المصرية وقد تتوقف الحرب خلال يوم أو يومين والله أعلم.

وقد يكون من أسباب سرعة إصدار مجلس الأمن لقرار وقف الحرب خشية الغرب من انفلات زمام المعركة بعد إطلاق صاروخين من لبنان والذي أعقبه صدور القرار (وبعد نزول المقال حصل إطلاق نار من الجولان كما أصابت طائرات الصهاينة جنود مصريين).

ولئن كانت إسرائيل قد حققت غرضها في حرب لبنان عبر التزام حزب الله التام بعدم إطلاق صواريخ خلال عامين وتبريه من صاروخي الأسبوع الماضي (رغم مطالبته للآخرين بالتحرك لفتح حدود مصر لأنه مشغول بحماية حدود إسرائيل الشمالية) ومسارعة حزب الله للموافقة على قرار مجلس الأمن بوقف حرب لبنان لكن إسرائيل تواجه مشكلة مع رفض حماس لقرار مجلس الأمن أو إيقاف الصواريخ قبل تنفيذ مطالبها رغم أن معاناتها أكبر من معاناة حزب الله في حربه السابقة لكن يثبت الله من يشاء.

فالمعركة الآن سياسية لحرمان حماس من قطف ثمرة انتصارها والعمل على خنقها بعد العجز عن طعنها رغم طول حصارها مع فارق القوة بينها وبين عدوها, وأداء حماس حتى الآن يبشر بمشيئة الله بانتصار سياسي يجني ثمرة انتصارها العسكري.

( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )

وروى ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك". قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).